الجمعة، 28 سبتمبر 2012

حكم وعبر زوجية من حياة أفضل الخلق صلى الله عليه وسلم


حكم وعبر زوجية من حياة أفضل الخلق محمد صلى الله عليه وسلم

ضرب النساء:

لقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم أروع المثل قولا وعملا لكل زوج يرى أن من مقومات القوامة ضرب الهامة، وعصاً تُكْسَر وأخرى تُشْتَرى حتى تستقيم المرأة، ولن تستقيم. 
فأما قوله صلى الله عليه وسلم فإنه قد قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره، واستوصوا بالنساء خيراً؛ فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء خيرا) [البخاري: (4890)]. أي: "اقبلوا وصيتي فيهن واعملوا بها وارفقوا بهن وأحسنوا عشرتهن". [فتح الباري: (10/111)] . 
وأما فعله صلى الله عليه وسلم فقد قالت عائشة: (ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم خادما له قط، ولا امرأة له قط، ولا ضرب بيده شيئا قط، إلا أن يجاهد في سبيل الله) [أحمد: (25392) وصححه الألباني]. 
حتى الصحابة رضي الله عنهم لم يكون يتوقعون ما يقع من النبي صلى الله عليه وسلم في لينه مع النساء ومراعاته لهن، وصبره على جرأتهن، فقد ثبت أنه قال: (لا تضربوا إماء الله)، فجاء عمر فقال: إن النساء ذئرن على أزواجهن-أي نشزن-، فرخِّص في ضربهن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن ليس أولئك بخياركم) [رواه أبو داود: (2146) وصححه الألباني]. 
" فالرجال الذين يضربون نساءهم ليسوا بخياركم، بل خياركم من يتحملهن ولا يضربهن". [عون المعبود: (6/130)]. 
صلى الله عليك وسلم يا رسول الله.

عاطفته :
مما يُقتدى فيه بالنبي صلى الله عليه وسلم تعامله العاطفي الحنون مع زوجاته رضوان الله عليهن، فقد كان يعطي للزوجة قدرها، ويعتني بها عناية فائقة، ويحبها حباً راقياً مليئاً بالعاطفة الصادقة، واللمسات الجذابة، فلمساته العاطفية قد ملأت حياته، ولفتاته الحانية قد عطرت سيرته، ومشاعره الحقة قد أينعت في نفوس زوجاته، فهاهو يفيض بالحب، ويصرح به أمام الدنيا، وذلك عندما سئل: أي الناس أحب إليك؟ فقال: ((عائشة)) [البخاري ومسلم]، بل إنه عليه الصلاة والسلام يسمع من عائشة حديثاً طويلاً دون ملل أو كلل؛ مطيباً لخاطرها، ومنصتاً لكلامها، فلما حكت له حال أبي زرع مع أم زرع، وأنه كان معها وفياً ومحباً، قال: ((كنت لك كأبي زرع لأم زرع)) [البخاري ومسلم]، وهاهو يدعوها مدللاً لها فيقول: ((يا عائش)) [البخاري]، ويراعي حال زوجته وهي في وقت الحيض التي قد تكون في نفسية ضيقة، فيشرب بعدها من نفس الإناء التي شربت منه بل من نفس الجهة التي شربت منها، وتأكل اللحم فيأكل من حيث أكلت [مسلم]. 
هل يباشر الزوج العمل في البيت، ويقوم بالخدمة مساعدة للزوجة؟! هذا ما كان يفعله نبي الرحمة [البخاري]، ولا تخلو حياته من الثناء وما أعظم أثر الثناء على النساء، فها هو عليه الصلاة والسلام يقول: ((فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)) [مسلم]، ولم يتخل عليه الصلاة والسلام عن الحب حتى بعد موت من يحب، فقد كان إذا ذبح الشاة يقول: ((أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة))، ويبرر فعله هذا، فيقول: ((إني قد رزقت حبها)) [مسلم]، فيعتبر حبه لزوجته رزقاً ومنة من الله امتن به عليه، فما أجمل هذا الرزق الذي يرزق الله به الزوجين، وما أحسنه عندما يصبح واقعاً عملياً ملموساً في القول والفعل والعواطف.

الاصغاء والتفهم :
كان عليه الصلاة والسلام يتفهم نفسيات زوجاته، وما هن عليه من المشاعر والأحاسيس حتى إنه يصارح إحداهن بذلك، يقول لعائشة رضي الله عنها: (إِنِّي لأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى)، قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَمِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذلِكَ؟ قَالَ: (إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، فَإِنَّكِ تَقُولِينَ: لاَ وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا كُنتِ غضْبَى قُلتِ: لاَ. وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ). قَالَتْ: قُلْتُ: أَجَلْ وَاللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا أَهْجُرُ إِلاَّ اسْمَكَ. متفق عليه. 
لم تشغله هموم الدولة والجهاد وتجهيز الجيوش، ونشر الدعوة، ومتابعة الأمور العظيمة عن مراعاة مشاعر زوجته بشيء دقيق جداً. 
وهو عليه الصلاة والسلام حين يسمع منهن ويصغي لكلامهن إلى منتهاه يراعي نفسية الأنثى التي تحب أن تحكي كل ما بنفسها وتكون في أتم الرضا عن من يصغي لها. 
حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم ليسمع منهن وهن في نقاش حاد وتراشق بعبارات الضرائر وهو منصت يبتسم لهذه ويلمح هذه بنظراته، وهن في سرور بما يقلن في حضرته وسكوته، فهو بهذا يفهم من نفسياتهن ما يدعوه إلى اتخاذ التصرف الأليق والأنسب والأحب إلى قلوبهن؛ حتى تظن كل واحدة قربها إلى قلبه أكثر من الأخرى، ومع حبه لإحداهن أكثر من سائرهن، إلا أنه صلى الله عليه وسلم كان يفهم من نفسياتهن ما يجعله يوازن بين مشاعرهن فيكون مثبتا لقلوبهن مؤنساً لنفوسهن بموازنة دقيقة ومراعاة عميقة .
الوفاء:
كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يمر يوم إلا ويمر على نسائه جميعهن ويحادثهن ويؤانسهن فبعد طلوع الشمس "يدخل على نسائه امرأة امرأة يسلم عليهن ويدعو لهن، فإذا كان يوم إحداهن كان عندها"، و"إذا انصرف من العصر دخل على نسائه فيدنو من إحداهن". [البخاري: (5216)] أي فيقبل ويباشر من غير جماع كما في رواية أخرى. فـ"الذي كان يقع في أول النهار سلاما ودعاء محضا، والذي في آخره معه جلوس واستئناس ومحادثة". 
ولم يترك النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأمر حتى في ليلة بنائه بزوجة جديدة: فلما بنى صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش... خرج فانطلق إلى حجرة عائشة، فقال: السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله، فقالت: وعليك السلام ورحمة الله، كيف وجدت أهلك، بارك الله لك، فتقَرَّى (أي تتبع وزار) حجر نسائه كلهن يقول لهن كما يقول لعائشة، ويقلن له كما قالت عائشة. [البخاري: (4792)]. وهذا كله من غاية وفائه صلى الله عليه وسلم مع نسائه بحيث لا يفارق إحداهن فرقة طويلة لا يراها إلا بعد تسع ليال بعد مروره على ضراتها. 
وكان وفاؤه صلى الله عليه وسلم مع زوجاته غير مقتصر على الأحياء منهن بل إن وفاءه مع زوجته الأولى خديجة في حياتها وبعد موتها، لا يكاد ينقطع ذكراً لها ومدحاً ودعاءً، بل "ربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة". [البخاري: (3818)]. و"إهداء النبي صلى الله عليه وسلم اللحم لأصدقاء خديجة وخلائلها رعياً منه لذمامها وحفظاً لعهدها". وجاءته جثامة المزنية وكانت تزورهم في عهد خديجة فأقبل عليها وغير اسمها إلى حسانة، وبش معها فلما خرجت سئل عن ذلك الإقبال فقال: (إنها كانت تأتينا زمان خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان). [المستدرك على الصحيحين: (40) وصححه الألباني] ."وفي هذا كله دليل لحسن العهد، وحفظ الود، ورعاية حرمة الصاحب والعشير في حياته ووفاته". 
وكثير من الأزواج اليوم يتنكر لزوجته التي كدحت معه بداية عمره، وجاهدت معه عند خروجه إلى الدنيا ووضعت يدها بيده وساعدته في بناء بيته، فيتنكر لها بعدما بذلت له زهرة شبابها ، وربما ظل يمدح زوجته ويذم زوجته الأخرى التي ماتت، وربما وقع طلاق فظل يذمها في كل مجلس وأنه كان صابراً عليها وأنه كان وكان.. 
فأين هذا من قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يوصيكم بالنساء خيراً، إن الله يوصيكم بالنساء خيراً، فإنهن أمهاتكم، وبناتكم، وخالاتكم، وإن الرجل من أهل الكتاب يتزوج المرأة وما تعلق يداها الخيط [كناية عن صغر سنها و فقرها] فما يرغب واحد منهما عن صاحبه حتى يموتا هرما). [الطبراني في الكبير(20/274) وصححه الألباني].



صلى الله عليه وسلم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق